إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل قول وعمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتكم , عباد الله إذا أردنا الإستمرار على الطاعات علينا معرفة الثواب والأجور للأعمال والعبادات التي تعملها
ومنها الأذكار والصلوات والصدقات، . عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("الطُّهُورُ") - أي الوضوء والغسل - ("شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"). [3]
كلمات تثقل ميزانَ قائلها، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (" بَخٍ بَخٍ!) - وهي كلمة استحسان - ("خَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ)، (يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ"). [4]، و(بَخٍ): كلمة تدل على الاستحسان.
بالذكر تغرس لك في الجنة الأشجار؛ أشجار عظيمة، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ")، - أي لا شجر فيها -، ("وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"). [5]، وَ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ") [6]
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه - وعن أبيه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("أَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ مَاؤُهَا، طَيِّبٌ تُرَابُهَا، فَأَكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِهَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ")[7]
فإن أردت - يا عبد الله - أن تُبنَى لك القصور، وتزيَّنَ لك الغرف والدور، فما عليك إلا أن تعمل بما ثبت عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا") - لِكَوْنِهَا شَفَّافَةً لَا تَحْجُبُ مَا وَرَاءَهَا. [8] - فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: (لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) قَالَ: ("لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى للهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ")[9]
إذا ابتغيت بيتا في الجنة فابنِ بيتا لله في الدنيا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ")، ("لَا يُرِيدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً")؛ ("بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْسَعَ مِنْهُ"). [11]، - (الـمَفْحَص): الحُفرة التي تحفرها القَطاة في الأرض لِتَبِيضَ وترقُد فيها. و(القطاة): نوع من اليَمام.
واعلموا أن ثواب سَدِّ الْفُرَجِ أثناء صلاة الجماعات، إذا وجدت فرجة في الصف فسددتها، أن ثوابها أن يبنى لك بيت في الجنة، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً، رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً")، ("وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ")[12]
وبركعات تقوم بها كل يوم وليلة تبنى لك البيوت في الجنة، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، - أم المؤمنين و - زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) (تَطَوُّعًا) (سِوَى الْفَرِيضَةِ) (بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)، وفي رواية: ("مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ)؛ (أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"). قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: (فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)[13]
بيت الحمد في الجنة لمن - يا عباد الله - ؟
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ، قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ! فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ! فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ! فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ"). [14]، - سَمَّى الْوَلَدَ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؛ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الْأَبِ، كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرَةِ. [15]
وإذا كانت الدرجاتُ تبحثُ عنها لدخول أفضل التخصصات، فتجتهد وتسهر، وتتعب في تحصيلها، فما عند الله - سبحانه وتعالى - من درجات خير وأبقى، فترفع لك الدرجات، ببعض الأعمال والأذكار والدعوات، فَعَنْ أَبي أَيُّوب الْأَنْصَارِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبحُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كَتَب اللهُ لَهُ بكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَحَطَّ اللهُ عَنْهُ بهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَهُ اللهُ بهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ كَعَشْرِ رِقَاب)، (وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَانِ)، (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ)، (وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا الشِّرْكَ بِاللهِ)، (فَإِنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي، فَمِثْلُ ذَلِكَ"). [20]
وَعَنْ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ - حفيدَ أنسَ بن مالك - يَقُولُ: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾. (يوسف: 76). قَالَ - مَالِكَ -: (بِالْعِلْمِ)، قُلْتُ - أي عُبَيْدٌ يقول لمالك -: (مَنْ حَدَّثَكَ؟!) - أنه العلم الذي يرفع صاحبه درجات - قَالَ: (زَعَمَ ذَاكَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ). [21] - أي التابعي الجليل.
وأفضل العلم تعلُّم كتابِ الله، والعمل بأحكامه، وحفظُ آياته، فحافظُ القرآن يوم القيامة ("يُقَالُ لَهُ: اقْرَأ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا")، ("وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ مَعَكَ"). [22]
ومن الأعمال التي ترفعك درجات عند المليك المقتدر سبحانه، في قوله صلى الله عليه وسلم: ("وَالدَّرَجَاتُ: إِفْشَاءُ السَّلَامِ")، ("وَلِينُ الْكَلَامِ")، ("وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ")، ("وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ، عَاشَ بِخَيْرٍ، وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه"). [23]، - قَالَ اللهُ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم - وهذا كلامٌ موجه لمن يبحثُ عن الدرجات عند الرحمن سبحانه وتعالى، قال عليه الصلاة والسلام -: ("أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟!) قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ)، قَالَ: ("إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ") - (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ): إِتْمَامُهُ وَإِكْمَالُهُ، بِاسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ بِالْغُسْلِ، وَتَكْرَارِ الْغُسْلِ ثَلَاثًا. [24]، و(الْمَكَارِه): تَكُون بِشِدَّةِ الْبَرْد، وَأَلَمِ الْجِسْم، وَنَحْو ذَلِكَ. [25]
("وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ"). [26]، - (الرِّباط): الإقامة على جِهَادِ العَدوِّ بالحرب، وارْتباطِ الخيل وإعْدَادِها.
وَقَوْله: "فَذَلِكُمْ الرِّبَاط": أَيْ أَنَّهُ أَفْضَلُ الرِّبَاط، كَمَا قِيلَ: الْجِهَادُ جِهَادُ النَّفْس. [27]
درجاتٌ ومنازلُ في كلماتٍ من رضوان الله سبحانه وتعالى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا") ("فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ") ("وَالْمَغْرِبِ")، وفي رواية: ("يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ"). [28]
عوِّدوا أنفسكم على ذكر الله، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، [وَأَرْضَاهَا] عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟!") قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ("ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى"). [29]
وبالصلاة والسلام على رسول الله - صلوا عليه! عليه الصلاة والسلام - ترتفع درجاتك عند الله، عَنْ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي صَلَاةً مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ"). [30]
بعضهم يعمل أعمالا يرتفع بها الدرجات العلى، ولكنه يُعقِبها بأعمال تنقصُ من هذه الدرجات، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (لَا يُصِيبُ أَحَدٌ مِنْ الدُّنْيَا)، - مال حلال - (إِلَّا نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَرِيمًا). [31]، قال ابن رجب: [وَالْمُقْتَصِدُ مِنْهُمْ أَخَذَ الدُّنْيَا مِنْ وُجُوهِهَا الْمُبَاحَةِ، وَأَدَّى وَاجِبَاتِهَا، وَأَمْسَكَ لِنَفَسِهِ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ، يَتَوَسَّعُ بِهِ فِي التَّمَتُّعِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا،... وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِقَدْرِ تَوَسُّعِهِمْ فِي الدُّنْيَا]. [32]
وتُحجَبُ عنك النيران بشق تمرة، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ حِجَابًا، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"). [36]، وفي رواية: («اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»). [37]
وذريَّةُ البنات حجاب من النار، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:... قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». [39]
ومن الكلمات الطيبات التي لا يثبت أمامها ميزان: (لا إله إلا الله)، فلو وضعت هذه الكلمة في كفة، والسموات والأرض في كفة لرجحت بهن، ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعْنَ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، لَرَجَحَتْ بِهِنَّ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، لَقَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ")، - (مبهمة) أَيْ: مغلقة. (القَصْم): كسر الشيء وإبانته - ("وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صّلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ"). [40]
الأصوات والصور في هذا الزمان، بلغت الآفاق واخترقت الجدران، بينما كلمة التوحيد لا يحجبها عن العرش شيء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("مَا قَالَ عَبْدٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ قَطُّ مُخْلِصًا، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ، مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"). [42]
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من والاه...
أيها المسلمون! لو قيل لكم: من قال كذا سأعطيه سيارة، ومن فعل كذا سأعطيه شُقة أو عمارة، ومن داوم على كذا سيجد في رصيده وحسابه كذا وكذا دينار، وأعطني ألفاً أشغِّلُها لك تربح مائة، لوجدنا الحافي وأبا نعال! - إن صح التعبير - جاءوا إليه يُهرعون، وإلى ما وعدوا به يطلبون، وقد يكون كاذبا!
والله هو الغني، وهو مالك الملك، يعدنا أجورا جليلة على أعمال قليلة، فلماذا لا نستيقن مما عند الله - يا عباد الله - ؟
بيتٌ في الجنة – أيضا - لمن ذَكَر الله عِنْدَ دُخُولِ السُّوق، عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: ("مَنْ قَالَ فِي السُّوقِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"). [16]
أما إن أردت قصرا في الجنة؛ فبادر إلى ما قَالَه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ"). [17]
بيوت الدنيا من اسمنت نبنيها لسنوات وبيت في الجنة بركعات بسيطة أو أذكار يسيره
وبيوت الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وليست اسمنت يامعشر المسلمين ,,
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
يا الله يا رحمن يا رحيم، إنك قلت مُخْبِرًا عَنْ هُودٍ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقلت - يارب سبحانك - مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 11، 12]، فها نحن نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك.
فـ(اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا)، (اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا)، (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا)، (طَبَقًا)، (نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ)، (اللهم اسق عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت).
(اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين).
(اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، هنياً غدقاً مجللاً، سحًّا، عامًّا طبقاً دائماً يا رب العالمين).
(اللهم وعلى الظراب، ومنابت الشجر، وبطون الأودية). (اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا؛ فأرسل السماء علينا مدرارا).
(اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين)، (اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض).
(اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك).
(اللهم امنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتك في سقيانا، وسعة رزقنا).
(اللهم أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا؛ فأجبنا كما وعدتنا).
(اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار).
(لا إله إلا الله العظيم الحكيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم).
والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم.
وأقم الصلاة فـ ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].