أيها الأحبة الكرام.. فضَّل اللهُ تعالى الأيام بحكمته الأيامَ بعضَها على بعض، وفضَّل بعض الأماكن على بعض، وبعضَ الأنبياءِ على بعض، ومن الأيام التي فضَّلها اللهُ تعالى يومَ الجمعة، حيث فضَّله على أيام الأسبوع، وفي ذلك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ...)[1].
بل جعله خيرَ الأيام وسيِّدَها وأعظمَها عند الله تعالى، بقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ. وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ. فِيهِ خَمْسُ خِلاَلٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ؛ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ،) رواه ابن ماجه، (1/ 156)، (ح 1137). وحسنه الألباني في (صحيح ابن ماجه
وقال تعالى - مُعظِّماً شأن الجمعة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. فإذا نُودي بالأذان: حَرُمَ اللَّهو، والبيع، والصناعات كلُّها، والنوم، وأن يأتي الرجلُ أهلَه، وأن يكتب كتاباً، وهو قول الجمهور[5].
وقد أقسم الله تعالى بيوم الجمعة في قوله: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]. وفُسِّر الشاهدُ بيوم الجمعة[6]، فكان إقسامُ اللهِ به، دليلاً على شرفِه وفضلِه.
والحقُّ - أيها الأحبة - أن صلاة الجمعة، ذاتُ أثرٍ عظيم على المسلمين، فالمنبر: مصدرُ تعليمٍ وتثقيفٍ وإصلاح، واجتماع المسلمين: منبعُ أُخوَّة وتآلف، كما أنَّ للجمعة والجماعة فضلاً في وحدة المسلمين في العبادات، وإحكامِ الدِّين من الانحراف، وبقاءِ مظاهر الحياة الإسلامية، وحفظ المسلمين من الانسلاخ، كما في الأديان الأُخرى[9].
عباد الله.. ولإِحياء جذوةِ الاهتمام بهذه الفريضة العظيمة كانت هذه الخطبة، وقد تضمَّنت: فضائل الجمعة وخصائصها والوعيدَ لمن تركها، أسألُ اللهَ الكريمَ ربَّ العرشِ العظيم: أنْ ينفعَ بها؛ إنه سميع مجيب.
- فالجمعة هو يومُ عِيدٍ مُتكرِّر في الأسبوع: لذا يُكره صومُه مُنفرداً؛ مخالفةً لليهود، ولِيتقوَّى على الطاعات الخاصة به، من صلاة ودعاء وقراءة قرآن ونحو ذلك من صلةٍ للأرحام. لِقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ؛ فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ)[13].
لذلك يُكره تخصيصُ ليلة الجمعة بالقيام كما دلت السنة
الجمعة هو يومُ المزيد الذي يتجلَّى اللهُ فيه للمؤمنين في الجنة، ويزيدهم من فضله وكرامته؛
والتبكيرِ إلى صلاة الجمعة،له فضل عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)[16].
في الجمعة ساعةُ الإجابة: لقوله صلى الله عليه وسلم - عن يوم الجمعة: (فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا[19].
يسن في الجمعة إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجمعة، ويومَ الجمعة: لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)[22].
جاء في الحديث (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) رواه أحمد في والترمذي،وحسنه الألباني أقول ماتسمعونواستغفر الله لي ولكم
الحمد لله... أما عن فضائل هذا اليوم العظيم:
قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، وفيها فضيلتان: فضيلة زمانية، وأُخرى مكانية:
أمَّا الفضيلة الزمانية: فقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ)[25].
وأمَّا الفضيلة المكانية: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيلَةَ الْجُمُعَةِ؛ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[26].
1- فإن للماشي إلى الجمعة، بكلِّ خُطوةٍ أجر سنةٍ صِيامُها وقيامُها: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ - بِكُلِّ خُطْوَةٍ - عَمَلُ سَنَةٍ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا)[27]. رواه أحمد في وأبو داود، وابن ماجه وصححه الألباني
والجمعة يومُ تكفير السَّيِّئات: لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (الصَّلواةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ)[28].
وقد جاء من الوعيد الشديد لمن ترك الجُمُعات:
1- في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ [أي: تركِهِم] الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ)[29].
2- بل هو من أهل النفاق - عياذاً بالله تعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمُعَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ)[30].
3- وفي حديثٍ آخَر: (مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؛ تَهَاوُنًا بِهَا، طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ)[31].
فهذه أوامرُ الله تعالى بأداء الجمعة، وهذه نواهيه عن تركها، هذا ترغيبه ووَعْدُه للعاملين، وهذا ترهيبه ووعِيدُه للمتكاسلين.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ عِبَادَ اللهِ
